عثر بعض الأشخاص على جثة ملقاة في الشارع بعد صلاة الفجر، تجمع العديد من السكان وجاءت الشرطة، تم استجواب الجميع، ولكن لم تكن هناك إجابة شافية، بل نظرات غريبة، بكاء وهمهمات عالية، ثم انتهى الأمر بصراخ بعض النساء عندما وجهت إليهم الأسئلة.
كان يومًا مرهقًا جدًا، وقف الرائد “يزيد” يتفقد وجوه من حوله بغيظٍ شديد، لقد انتقل بالأمس فقط، وتساءل هل يرحب به بهذه الطريقة؟
عاد لقسم الشرطة بعد انتهاء التحقيق، وقد حل الظلام، فلم يقو من فرط تعبه على العودة للمنزل الذي استأجره، قرر المبيت في قسم الشرطة، وبعد صلاة الفجر في اليوم التالي، أيقظه أحد المجندين، وأخبره بوقوع جريمة قتل في ميدان البلدة.
انتقلت قوات الشرطة بقيادة “يزيد” إلى موقع الجريمة، صُعق عندما رأي الجثة، كانت تشبه جثة الأمس إلى حدٍ كبير، فظن أنهما توأمان، وبعد فحص الجثة وقف ينظر حوله بريبة؛ فأماكن الطعن متطابقة مع جثة الأمس إلى حد كبير، تبادل النظرات بين الجثة والجنود وكذا أهل القرية المحدقين به، ثم تم نقل الجثة! حاول استجواب الحاضرين، ولكن سرعان ما تفرقوا تاركينه والجنود بمفردهم.
التفت حوله يتفقد الشارع، وقرر طرق المنازل المطلة على الشارع؛ للحصول علي أي معلومة تفيده، ولكنهم وقفوا أمامه منصتين حتى يسأل عن الجثتين، فتغلق بوجهه الأبواب.
يئس من الحصول على إجابة شافية، فقرر العودة إلى مركز الشرطة.
انتهى النهار، ثم هبط الليل، وعاد إلى سكنه، ظل واقفًا في شرفة منزله يرمق الشارع المؤدي للميدان العام بالبلدة، وقرر التجول قليلًا؛ لعله يستطيع الحصول على بعض المعلومات.
مشى بضع خطوات، ثم لاحظ ظلًا لشخص يراقبه، فقرر الانحدار لشارع جانبي، وبالفعل أمسك بمن يلاحقه..
كانت طفلة صغيرة لا تتعدى السبع سنوات، انتفضت بين يديه حين أمسك بها، ورفعها في الهواء، كانت تركل بقدمها في غضب، فحاول أن يهدئها، وأشار لها أن تلتزم الصمت.
أنزلها وهبط أرضًا ليصبح في مستوى طولها، تفقد وجهها معدلًا خصلات شعرها، وربت على ضهرها.
هدأت قليلًا، وساد الصمت بينهما لبرهة، كان كلاهما يحدق في الآخر حتى ابتسم لها وسأل عن اسمها، فاستدارت تنظر حولها تتفقد الشارع، و حين اطمئنت لخلوه من البشر أجابت:
– ذات.
– هل تعلمين شيئًا عن الحوادث التي تحدث في البلدة خلال اليومين الماضيين؟
أومأت برأسها نفيًا، فنكس رأسه، سألها:
– أين تسكنين؟
أشارت لجسده فابتسم لها، وسألها عن ذويها فمالت برأسها ناحية اليسار، واكتفت بابتسامة هادئة، قرر أن يُعيدها لمنزلها، فطلب منها أن ترشده إليه.
أمسكت يده، وسارت إلى جواره في هدوء، كانت الساعة قد شارفت على الثالثة صباحًا، بدأت تقوده إلى طريق غير مأهول،
تفقد المكان حوله، وأوقفها ،سألها باستنكار إلى أين تقوده؟
لم تعره اهتمامًا، بل تركت يده، وهرولت من أمامه، فوقف حائرًا يفكر هل يلحق بها؟
أم يعود أدراجه؟
وعندما قرر اللحاق بها كان أثرها قد اختفى.
مضى في طريقه عائدًا، بينما تعالى صوت آذان الفجر، فوجد أقدامه تقوده نحو المسجد، فأدى الصلاة، ثم خرج؛ ليلاحظ تجمع بعض المارة في الطريق، كانت جثة ملقاة على الأرض، اخترق جمعهم، واقترب منها، بينما شعر بالدماء تتجمد في عروقه، لم يجرؤ علي الاقتراب أكثر.
تفقد وجوه الرجال المحيطين بالجثة، ثم وقف يصرخ بهم، يسألهم عما يجري، ولكن سرعان ما انصرفوا، فقرر تفقد الجثث الأخرى حتى إن اضطر لحفر قبورهم بيده، طلب النجدة، وظل إلى جوار الجثة حتى حملتها الإسعاف، انطلق خلفها ثم طلب من الطبيب أن يخبره إن كان بالجثث شيء مريب، ففوجئ به يخبره أن الجثة الأولى اختفت ليلًا وتبعتها الثانية.
وقع الخبر كالصاعقة على أذن الرائد “يزيد”، فطلب من الطبيب أن يقوم بتشريح الجثة التي وصلت اليوم، وأن يجري لها تحليل “Dna”، ويقارنه بما يخص الجثث السابقة.
وقف الطبيب حائرًا على طاولة التشريح ينظر تارة للجثة، وتارة للرائد الذي أصر على مرافقته حتى أنهى التشريح، ونظر ليزيد قائلًا:
– الأمر صادم، ولا يمكن تصديقه.
– ماذا يحدث؟ أخبرني..
– أولًا: تلك الجثة هي نفسها التي جلبتموها الأمس، وأول أمس.
– هل يتم سرقتها، وإلقائها في الشارع لبث الرعب في نفوس أهل البلدة؟
– مازالت الجثة دافئة، لا يعقل أن يكون قد قتل أول أمس.
– كيف يمكن أن….
– لا تقاطعني أرجوك، ثانيًا: الجروح هي ذاتها في كل مرة، كما أن الجثث تتصلب وتتحلل بمرور الوقت، ويفوح منها رائحة كريهة، لكن ما سبب احتفاظ تلك الجثة بتماسكها؟
– استمع لما تقوله، أعتقد أن حديثنا لا جدوى منه، فأنت تمر بضغط نفسي، سأمر عليك قريبًا؛ لأحصل على نتيجة تحليل الـ “DNA”.
عاد الطبيب إلى مركز الشرطة، تناول قدحًا من القهوة، ثم انكب على مكتبه يتابع عمله باهتمام.
لم يشعر بمرور الوقت حتى جاءه الطبيب لاهثًا، ملامح الذعر تغزو وجهه، نهض من مكانه محاولًا تهدئته، ولكن الطبيب سلمه ورقة ثم اختفى، جلس على مكتبه، وقرأ ما كان كتب بها:
” إن وصلتك رسالتي، اهرب من تلك البلدة، فهناك لعنة تصيب كل من يرى تلك الجثة لسبع ليالٍ، لا أعلم كثيرًا عن الأمر، ولكن جاءني أحد المرضى من بلدة مجاورة، وعندما قصصت عليه ما يحدث أخبرني أنها ذات السبع “طفلة ملعونة”، قد ورثت أعمال السحر والشعوذة عن أبويها.
كوّم الرسالة بيده، وألقاها في القمامة، وبدأ يباشر عمله، وعاد لسكنه في المساء.
تفاجأ بواحد من الجنود يوقظه من النوم، ويطلب منه سرعة تفقد الميدان العام للبلدة؛ لوجود جثة جديدة هناك، كان يمضي بخطى متثاقلة على غير عادته.
وصل وبدأ بفحص الجثة، ثم وقف فجأة، وعلت ضحكاته الصاخبة في المكان، تفقد الوجوه المحيطة به، وللمرة الأولى يلاحظ أن عيونهم خالية ووجوههم شاحبة، ارتجف قلبه رعبًا، وهو يبحث عن القوات التي كانت ترافقه؛ ليجدها قد اختفت، عاد أدراجه للمركز بسرعة، وصدمه عدم وجود أي إنسان كان، أمسك هاتفه، وقرر الاتصال بالمديرية، ولكن هاتفه لم يعمل لسوء الحظ، فانفعل وألقى به إلى الأرض.
جلس أرضًا، وأمسك برأسه يحركها يمينًا وشمالًا، ثم فتح عينيه فوجد أقدامًا صغيرة تقف أمامه فرفع رأسه ليجدها نفس الفتاة الصغيرة التي قابلها.
اقتربت منه، وضعت يدها على رأسه، فسقط في النوم، وبعد فترة استيقظ يسأل المحيطين به عن الجثث والفتاة، ولكن علامات الاستنكار كانت تسيطر علي الجميع، تم حقنه بالمهديء، ووقف الطبيب أمامه مع قائده الذي تساءل عما وصل إليه حاله، فأخبره أنها بعض الهلوسة إثر تعرضه للحرارة، فقد أُصيب بضربة شمس شديدة كادت أن تفقده حياته.